فهد عامر الأحمدي
لست متأكداً من أطفال اليوم ، ولكن حين كنا أطفالاً كنا نسارع لتعديل أي حذاء مقلوب كي لا يتجه أسفله نحو السماء .. وما زلت أذكر رجلاً ضعيف العقل كان همه تعديل الأحذية المقلوبة عند أبواب المساجد وحين تنتهي الصلاة يبحث في الخرائب عمن ينطرح رأسا على عقب !!
فأسفل الحذاء وأسفل القدم يشكل في ثقافتنا قمة القذارة والاحتقار وبالتالي من المعيب والمهين توجيهه لأي شخص آخر .. وحتى سنوات قليلة مضت كان من المعتاد خصوصاً في المدن الحجازية أن تخلع الفتاة حذاءها وتوجه "أسفله" نحو من يضايقها من الشباب (وقد تستعمله كقذيفة تشبه تلك التي أطلقها منتظر الزيدي ضد الرئيس بوش)
وبطبيعة الحال لسنا المجتمع الوحيد الذي يملك هذه النظرة الدونية للحذاء ؛ ففي تركيا وإيران وباكستان توجد صراعات دائمة بين تيار الوطنيين المتشددين وبين مصانع الأحذية بخصوص وضع أو عدم وضع عبارة (صنع في ...) على كعب الحذاء !! ..
أما في الصومال فكان الجنود الأمريكان يستغربون (أثناء مرورهم بالهليكوبتر فوق البلدات الصومالية) من خلع الناس أحذيتهم وتوجيهها نحوهم . ولم يفهموا إلا متأخراً أن الصوماليون يفعلون ذلك كرد فعل على "دلدلة" الأمريكان أرجلهم من أبواب الهليكوبتر وتوجيهها نحوهم على الأرض .. ليس هذا فحسب بل تم تشكيل لجنة عسكرية توصلت لنتيجة مفادها أن سحب الجنود لأرجلهم داخل الطائرة سيخفض من نسبة تعرضهم للقذائف المضادة بنسبة 27% .. أما في العراق وأفغانستان فنصحوهم بالكف عن دوس رؤوس المعتقلين ب"الجزمة" كون هذا التصرف يشكل إهانة لكافة العرب والمسلمين (في حين ينظر الجندي الأمريكي لهذا التصرف كتقنية قتالية تتيح السيطرة على أفحل معتقل بأقل جهد ممكن) !
وتصرفات الجنود الأمريكان هذه مجرد مثال لشعوب كثيرة لا تشاركنا النظرة الدونية للحذاء (ولا يتركوها مثلنا خارج المنزل تعاني من شمس الصيف وزمهرير الشتاء) .. وحين ألقى الصحفي العراقي منتظر الزيدي حذاءه باتجاه الرئيس بوش لم ير الشعب الأمريكي في تصرفه أكثر من تعبير ساخط لا يختلف عن قذفه بالكرسي أو الكاميرة أو أي جسم آخر .. وأنا شخصياً مازلت أذكر كيف رفع مدير الكلية قدميه فوق المكتب باتجاهي (أثناء وجودي في منسوتا عام 1988) وبدأ يناقش مشكلتي بكل سكينة وهدوء في حين شعرت أنا بالإهانة والغضب ونسيت الكلام الذي هيأت نفسي لقوله !!
وفي الحقيقة ليس أدل على سماحة النظرة الأمريكية والعالمية لأسفل القدم من وجود "شارع النجوم" في هوليود حيث يدوس المارة على نجوم ذهبية تتضمن أسماء المكرمين من الممثلين والمشهورين .. وقبل شهر فقط كنت في هونج كونج حيث رأيت تكريما مشابها يتمثل بوجود واجهة بحرية تدعى "رصيف النجوم" حفرت عليه أسماء الفنانين برفقة طبعة أسمنتية لأيديهم .. وفي حين لا يقبل شخص مثلي ومثلك أن يداس اسمه أو صورته بالحذاء تجتذب "شوارع النجوم" أعداد هائلة من السياح ممن يقفون فوق نجمة "مارلين مونرو" أو "تشاكي تشان" لالتقاط الصور !!
باختصار .. أخبرني أين تخلع حذاءك ، أخبرك من أي الشعوب أنت !!